الحكومة السعيدة والشعب الأكثر تعاسة في العالم
المصريون أصبحوا أكثر شعوب الأرض تعاسة وكآبة.. هذه حقيقة وليست نكتة.
اختفت النكتة من الشارع المصري، وجفت مصادر السعادة وتاهت الابتسامة، ويبست الوجوه وتجهمت، بعدما ضاقت سبل العيش والحياة في مصر بما رحبت.
تنازل المصريون بفعل فاعل عن عرش الفرفشة والضحك ولم يعد المصري «ابن نكتة».
فمن المسؤول عن كآبة المصريين وتعاستهم؟
وكيف ضاع الشعور بالرضا والقناعة والسعادة؟
الحديث عن تعاسة الشعب المصري ليس كلامًا مرسلاً وإنما رصدته دراسة فريدة من نوعها قامت بها جامعة ليستر البريطانية لوضع خريطة عالمية مثيرة للاهتمام هي الأولي علي مستوي العالم لتصنيف الدول الأكثر سعادة في العالم.
الدراسة شملت ١٨٢ دولة ووضع القائمون عليها ثلاثة معايير مهمة لقياس ورصد مدي الشعور بالسعادة لدي الشعوب وهي الصحة، والثروة، والتعليم حيث تم توجيه أسئلة تدور حول هذه المعايير إلي ٨٠ ألف شخص حول العالم لوضع خريطة السعادة.
بشكل علمي مدروس استندت الدراسة إلي مضاهاة بيانات مدي الشعور بالسعادة مع بيانات الفقر، وإجمالي الناتج القومي ومستوي التعليم الصادرة عن منظمات الأمم المتحدة في العام ٢٠٠٥.
وجاءت النتائج المنطقية أن هناك علاقة تبادلية قوية بين السعادة وكل من معايير الصحة والثروة والتعليم المقابلة لثالوث المرض والفقر والجهل، وأن من أكثر أسباب مثبطات السعادة لدي الشعوب هو الفقر ومتغيراته، وأن السعادة الحقيقية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمستوي صحة الإنسان ومستوي دخله وتعليمه، فهناك فارق بين الحالات العاطفية العابرة ولحظات الفرح وحالة السعادة الكامنة.. وهذه الأخيرة هي ما يطلق عليها الشعور بالرضا في الحياة العامة والخاصة، والتي تتمثل في العلاقات والصحة والعمل.
المفاجأة أو ربما تكون ليست مفاجأة أن مصر وفقًا لمعايير الدراسة احتلت المرتبة ١٥٥ عالميا وحصلت علي ١٦٠ درجة، لكن المثير للاهتمام أن مصر جاءت في هذه المرتبة بعد جيبوتي وبنين ومالي وموريتانيا وتوجو وبورما ومدغشقر وبنجلاديش وبوتسوانا وغينيا ومالي وزامبيا ولاوس.
ما يعني أن شعوب هذه الدول أكثر سعادة من الشعب المصري.. شفتوا المصيبة!
أما عربيا فنحن أقل الشعوب العربية سعادة وتسبقنا في السعادة شعوب ١٥ دولة عربية، فالإمارات في المرتبة الأولي عربيا والـ ٢٢ عالميا، ثم سلطنة عمان والسعودية والبحرين والكويت وقطر وتونس واليمن وليبيا ولبنان والمغرب وفلسطين والجزائر والأردن وسوريا ومعها «إسرائيل» ثم مصر في المرتبة الـ ١٦ عربيا.
طبعًا المراتب الأولي في الشعوب الأكثر سعادة - وفقًا للدراسة - محجوزة لشعوب الكوكب الآخر في الدنمارك وسويسرا وباقي دول أوروبا وأمريكا واستراليا.
فمن يحاسب ويحاكم المسؤول عن تعاسة المصريين.
سؤال أصبح نكتة في حد ذاته لأن المسؤول معروف، ومحاسبته لن تكون فقط عن التعاسة والكآبة التي أصابت الشعب بسبب الفساد والفقر والمرض.
في بريطانيا - أم العولمة والرأسمالية - نظمت إذاعة الـ بي بي سي بحثًا طريفًا جاء من خلاله أن ٨٠ بالمائة من الشعب البريطاني يعتقد أن الحكومة عليها أن تجعل الشعب يشعر بالسعادة..!!
فهل نحاسب «حكومتنا السعيدة» عن شعور المصريين بالقرف والهم والتعاسة؟ أم نحاسبها أولا علي جرائم البيع والفساد والعطش وأكذوبة مشاريع «البنية التحتية»؟!
إذا كان هدف سياسات أي حكومة - كما يري الفيلسوف البريطاني جيرمي بنثام - هو جلب أكبر قدر ممكن من السعادة للناس من خلال توفير أبسط أساليب المعيشة البسيطة.. فكيف الحال لو أن الحكومات - مثل حكومتنا - حققت الفشل الذريع المعلن بشهادة المنظمات العالمية في تحقيق هدف السعادة لشعوبها؟
فلنبحث عن إجابة غير سعيدة.